نعمة كبيرة منّ الله عز وجل بها علينا .. الأخوة الحقيقية التي تكون لله وبالله ومن أجل الله تكون عز وجل... وللأخوة في الله مكانة عظيمة عند الله عز وجل فبها تنال محبته ورضاه يقول سبحانه في الحديث القدسي "وجبت محبتي للمتحابين فيًّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ ". رواه مسلم
وللمتحابين في الله مكان يغبطهم عليه كل من خلق الله سبحانه فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من عباد الله لأناسا ما هم أنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء و الشهداء بمكانتهم من الله .فقالوا:يا رسول الله تخبرنا من هم ؟ قال: قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب، لا يفزعون إذا فزع النَّاس، ولا يحزنون إذا حزنوا، ثمَّ تلا صلى الله عليه وسلم: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
ما أعظم هذه الكلمات قوم يغبطهم أنبياء الله وشهدائه لمكانتهم عنده سبحانه في علاه يتمنون أن يكون لهم مثل مكانتهم وهم المتحابين في الله عز وجل من غير قربى تربطهم أو مصالح تجمعهم...
وقال أيضاً : "ما تحاب اثنان في الله إلا كان أحبهما إلى الله أشدهما حبا لصاحبه "
فانظر إلى أول ما فعله النبي – صلى الله عليه وسلم – في المدينة، لقد آخى بين المهاجرين والأنصار، فأرسى بذلك أول دعامة لتأسيس مجتمع قوي مبني على التكافل، والمساعدة، والأخذ بيد الآخر، بل إنه- صلى الله عليه وسلم- كان يفعل الشيء نفسه في المجتمع المكي بين المؤمنين وبعضهم، فكانت مكة تسير بالنظام نفسه: المساعدة والمؤاخاة بين كل اثنين، وكان النبي يحرص على أن يؤاخي بين اثنين ينتميان إلى طبقات اجتماعية متقاربة كي لا يحدث نفور، فانظر إلى الإسلام وطريقة النبي واحرص أنت أيضا على الشيء نفسه.
إن الأخوة في الله تجعل المجتمع كالجسد الواحد الذي تسكنه روح واحدة و يديره عقل واحد وله تطلعات وأهداف واحدة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ، فهي فوق أخوة النسب ، وهي فوق أخوة القبيلة ، وهي فوق أخوة الوطن ...فوق كل أنواع الأخوة الأرضية ...تسمو عليها وترتقي لتلتقي على نفحة الوحي السماوية.
فمنزلة المسلم لأخيه المسلم هي منزلة الصاحب أيضا ، فيقوم بحاجته من فضل ماله إذا احتاج ، ولا ينتظر سؤاله فإن ألجأه إلى السؤال فهو دليل على تقصيره في حق أخيه ، وإذا قل المسلم عن هذه المرتبة فهو مقصر مذنب يحتاج إلى مراجعة نفسه ، وتهذيبها.
واجبات المسلم تجاه أخيه
ومن واجبات المسلم لاخيه المسلم أن :
*يكون طيب الكلام ومن طيب الكلام أن يدعوا أخاه بأحسن أسمائه، وأحبها على قلبه يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : (ثلاث يصفين لك ود أخيك تسلم عليه إذا لاقيته وتوسع له في المجلس وتدعوه بأحب أسمائه إليه ).
والتبسم و البشاشة في وجه الآخر من موجبات الأخوة الإيمانية وكذلك هو من وسائل كسب القلوب ، لأن الوجه عبارة عن المرآة التي تعكس ما هو موجود في داخل أعماق الإنسان ، فإذا كان الوجه طليقاً بشوشاً كان موحياً بالبشر والمحبة في نفس المقابل ، أما إن كان عبوساً مظلماً فلا شكَ أنه يوحي في قلب المقابل بالضيق وعدم الانشراح ، فعلى الإخوة أن يطلقوا وجوههم فيما بينهم. وأما إفشاء السلام ، فهو أدب من آداب الإسلام الاجتماعية ، وقد أمر الإسلام المسلمين به ، فالمسلم مطالب بأن يسلّم على من عرف من المسلمين ومن لم يعرف ، ومكلف أن يرد التحية بمثلها أو بأحسن منها .
قال تعالى: ( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ) [النساء: 86]
*ويجب على المسلم أيضا خفض الجناح ولين الجانب.
و إظهار المودة للمؤمنين من دواعي دوام الأخوة يقول الله سبحانه وتعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ
اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) [الفتح : 29] ، ويقول الله سبحانه و تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ) فبالتواضع بين الأخوة تفتح القلوب الغلف لصوت الحق ، وتنشأ الألفة ، وتدوم المحبة. ويصف لنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تواضعه ولين جانبه فيقولون : يبدأ الناس بالسلام ، ويتجه بكليته لمن يحدثه صغيراً كان أو كبيراً ،وكان آخر من يسحب يده إذا صافح، وإذا أقبل جلس حيث انتهى به المجلس ، وكان يشتري بضاعته من السوق ويحملها ، وكان صلى الله عليه وسلم يخصف نعله ، ويرقع ثوبه ، ويمشى في خدمة أهله وأصحابه ويأكل مع الخادم .
*أما عن حسن الخلق فهو السبيل لكسب قلوب الناس ، ولكسب رضي المولى عز وجل ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا ) ، فالالتزام بحسن الخلق بين الأخوة ، يحي نور الأخوة ، ويجمع القلوب ، ويفتح قنوات الإخاء.
*ولا ننسى التزاور في الله، وتفقد الحال، فإن التزاور في الله ظاهرة من ظواهر المجتمع المسلم
قال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا ).
و لقد أوجب الإسلام واجبات عديدة لإدامة صلة الأخوة الإيمانية ، بين الموحدين ، ولزيادة المحبة فيما بينهم وهذه جملة من الواجبات المستحبات هي:
أ- قبول الهدية:
وكان من هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن يثيب على الهدية ويقبلها روى البخاري في صحيحه : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا ) أي يعطي الذي يهدي له بدلا منها
ب- إجابة الدعوة :
فإذا دعا المسلم أخاه المسلم إلى دعوة طعام أو غيره ، فمن حقه عليه أن يجيب دعوته ، إلا إذا عنده عذر شرعي يعتذر به ، إن دعوة المسلم لأخيه المسلم صلة اجتماعية تعبر عن مودّة و أخوّة ، وهذه الصلة تستدعي أن تقابل بالاستجابة ، لا بالرفض ، والمستجيب يعقد من طرفه حبل الصلة الذي مده إليه أخوه.
قال صلى الله عليه وسلم : ( حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَ إتباع الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ ).
ج- ستر المسلم لأخيه المسلم :
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) .
من حق المسلم على أخيه المسلم أن يستره ولا يفضحه ، والله تعالى يكافئه من جنس عمله فيستره يوم القيامة ، وجاء في حديث آخر ، أن الله يستره في الدنيا والآخرة .
وستر المسلم لأخيه المسلم يعتبر من مكارم الأخلاق ، فإذا اطلع المسلم على خطيئة أو معصية أو نقيصة وقع بها أخ له، ولم يجاهر بها أمام الناس ، بل تستر بها وتوارى واستحيى فيها ، فما هو الغرض من فضيحته ونشر خطيئته بين الناس .
والأصل أن تكون معاملة المؤمن مع الخلق لله، وعلى أساس متين من شرع الله، والحب في الله طوق عظيم من أطواق النجاة ومسلك طيب من مسالك الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة، وقال بعض السلف: ذهب المحبون بشرف الدنيا والآخرة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (المرء مع من أحب)، والمتحابون في الله مع الله في الدنيا والآخرة. لندعوا الله عز و جل أن نكون من المتحابين فيه.