جنى سيد
¤° مشرفه عامه °¤
عدد المساهمات : 248
| موضوع: سلسلة اذا صح الايمان الأربعاء 02 ديسمبر 2009, 6:20 pm | |
|
تعريف الإيمان :
لغة : يراد به التصديق لقوله تعالى عن إخوة يوسف : وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ{17}ويطلق ويراد به التأمين لقوله تعالى : {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ {قريش4}
واصطلاحا : عرفه العلماء بأنه :
قول باللسان ، واعتقاد بالجنان ، وعمل بالأركان ، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان.
أصول الإيمان : تسمى أركان الإيمان وهي ستة :
الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره .
لقوله تعالى : {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ والملائكة وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ }البقرة177 ودليل القدر قوله تعالى : {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }القمر49
وقال النبي r ((الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)) رواه مسلم .
مفهوم الإيمان :
هو أن يؤمن العبد بربه إيماناً يتغلغل في نفسه ، بحيث يعتقد أن الله هو الذي خلقه وأوجده من العدم ، وسوف يرده إليه ليحاسبه ويقفه بين يديه ، وأن يعتقد المؤمن أن الأعمال والأرزاق كلها بيد الله ، وأن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها .
ويعتقد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطئه لم يكن ليصيبه ، وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوه بشيئي لا ينفعوه إلا بشيئي قد كتبه الله له ، ولو اجتمعوا على أن يضروه بشيئي لا يضرونه إلا بشيئي قد كتبه الله عليه .
ويعتقد العبد كذلك أن الله هو ناصره ومعينه وهاديه أو مضله ، وشافيه ومصيبه ، وعلم بسره وعلانيته وبتقواه وفجوره ، وأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء ، وأن الله له ملك السموات والأرض ، وبيده مقاليد الأمور ، وأنه يعلم السر وأخفى ، وأنه سبحانه يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون ، وما لم يكن لو كان كيف يكون إلى غير ذلك من صفات الرب العلي وأسمائه الحسنى وأفعاله العظيمة ، التي تليق بجلاله وعظمته .
وأن يتوجه العبد بقلبه وجوارحه وحركاته وسكناته وخطواته ولحظاته في سره وجهره وخلوته واجتماعه يتوجه بها إلى ربه ، منيباً إليه ، موحداً همه وفكره وقصده مبتغياً بذلك وجهه ، وطالباً مرضاته في عبادته إليه ، ومعرضاً بكليته عن المخلوقين ، فلا يرجوهم ، أو يماريهم ، أو يداهنهم ، أو يشكو إليهم ، أو يعول عليهم ، في صغيرة أو كبيرة ، بل هو موصول القلب بربه معتمداً عليه ومعتصماً به .
فإذا عاش المؤمن بهذا الشعور ، أحب العبادة وتلذذ بالذكر والدعاء والمناجاة فتهون في نفسه الدنيا ، ويسهل عليه أمرها ، سواء جاءته أو حرم منها . وتحرر من الشح والهوى ونزعات النفس الأمارة بالسوء ، وتخلص من وساوس الشياطين الإنس والجن ، ومن ثم يندفع بهذا الشعور إلى التوكل على الله ، فيقول الحق لا تأخذه لومة لائم أينما كان ، ومع من كان، ويندفع إلى العمل في سبيل الله بكليته ، لا يعرف الراحة ولا يريد التواني ، ولا يصحب المتثاقلين الذين أشغلهم دنياهم وشهواتهم وحظوظ أنفسهم .
((إن الإيمان إذا باشر القلب ، ووالى صاحبه اللهَ ورسولَه تميز عن غيره ، وظهرت عليه آثاره ، وتسلح به من مغريات الحياة ، وقواطع الطريق ، فبدون الإيمان الحق الصادق يبطل كل سلاح وإعداد))
ومع الإيمان تفرج الكروب ، وتحل الأزمات ، وتُستدفع البلايا وينتصر المؤمن وتصلح حالهم ، قال تعالى : {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} الروم47
ولقد تنوعت وكثرت صفات المؤمنين في القرآن الكريم والسنة المطهرة لتبين صلاح حالهم ، وسمو مقامهم ، وأن الله معهم يحبهم وينصرهم ويعينهم ويدافع عنهم ، ولا يسلمهم لعدوهم ، ولا يخيب رجاءهم ، ولا يضيع أجورهم ، ويجزيهم أعظم الجزاء بتقريبهم في دار كرامته ، والتمتع بالنظر إلى وجهه الكريم ، في جنات النعيم ، قال تعالى : {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ}البقرة257
وقفة مع الرسول المربي لصحابته الأطهار
لقد ربى الرسول صحابته تربية إيمانية صادقة ، وقد جمع الله له أسمى صفات الجمال والكمال ، وأبلغ معاني الحسن ، والإحسان ، فمن رآه هابه ، ومن خالطه أحبه ، يقول واصفه : (لم أر قبله ولا بعده مثله) فاندفع إليه الحب الصادق ، وانجذبت إليه النفس والقلوب ، فهو القدوة أمام الصحابة في عبادته ومعاملته ودعوته وكل كل تحركاته {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } الأحزاب21 ومن نتائج تلك التربية الجادة الصادقة التي شملت القول والعمل انقلبت نفوس الصحابة بهذا الإيمان الواسع الواعي الواضح انقلاباً عجيباً ، فإذا آمن أحدهم بالله ورسوله انقلبت حياته ظهراً لبطن وتغلغل الإيمان فيه وتسرب إلى أعماقه ومشاعره ، وجرى منه مجر الروح والدم ، وغمر العقل والقلب بفيضانه ، وجعل منه رجلاً غير الرجل الأول ، وظهرت منه روائع الإيمان ، والبر واليقين ، والصبر الشجاعة ، وظهرت منه خوارق الأفعال والأخلاق ، ونبتت فيه ضروب الخوف من الله والخشية له ، فلقد خرج الصحابة مع الرسول القدوة المربي خرجوا معه للقتال سبعاً وعشرين مرة في عشر سنين ، وخرجوا بأمره للعدو أكثر من مائة مرة . وقال قائلهم (وهو سعد بن معاذ ) قال عن نفسه وعن الأنصار قبل بدر : (إني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم فاظعن يا رسول الله حيث شئت ، وصل ما شئت ، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت، وما أمرت فيه من أمرٍ فأمرنا تبع لأمرك ، فو الله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك ولئن استعرضت بنا هذا البحر خضناه معك) . رواه ابن أبي شيبة
وبهذا الإيمان هانت على الصحابة الأطهار دنياهم ورزيئة أولادهم ونسائهم ونفوسهم . ونزلت الآيات بكثير مما لم يألفوه ، وبكل ما يشق على النفس إتيانه في المال والنفس والولد والعشيرة .
فقد دخلوا في السلم كافة في قلوبهم وجوارحهم وأرواحهم لا يشاقون الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى ، ولا يجدون في أنفسهم حرجاً مما قضى ، ولا يكون لهم الخيرة من بعد ما أمر ونهى ، حتى إذا خرج حظ الشيطان من نفوسهم وخرج حظ نفوسهم من نفوسهم ، وأصبحوا في الدنيا رجال الآخرة ، وفي اليوم رجال الغد لا تجزعهم مصيبة ولا تبطرهم نعمة ولا يشغلهم فقر، ولا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً ، حتى إذا كانوا كذلك وطّأ الله لهم أكناف الأرض ، وأصبحوا هداةً للبشرية بتوفيق الله ، ووقايةً للعالم ودعاةً إلى دين الله . واستخلفهم الرسول على أمته ، ولحق بالرفيق الأعلى وهو قرير العين .
وإليك خلاصة حالهم مع رسولهم الكريم من خلال هذه الآية الكريمة قال تعالى : {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ} الفتح29 وهذا عروة بن مسعود يصف حال الصحابة مع الرسول بعد ما رجع من الحديبية وقد بعثه قريش مفاوضاً عنها . فقال : (أي قوم والله لقد وفدت على الملوك على كسرى وقيصر والنجاشي . والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً ، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له ) .
نظرة في حال إيماننا
تقدم لنا حال أصحاب الرسول مع رسولهم المصطفى ومع بعضهم البعض ، فلقد كانوا الجنود المخلصين الذين جادوا بكل ما يملكون من مال وجهد ووقت ، ولقد بذلوا التضحيات الجسام من أجل دينهم وعقيدتهم ، وقد فعل بهم إيمانهم الصادق ما فعل ، فلقد غير النفوس وأيقظ القلوب وأحيا المشاعر وأثار في الحس الهيبة والإجلال للخالق المتعال ، فأين نحن من ذلك الإيمان ومن تلك النفوس الكبيرة والإرادات الصاعدة ؟ وما حقيقة إيماننا ؟ لأن لكل شيئي حقيقة . فهل نقدم إيماننا ونؤثره على أهوائنا وشهواتنا ودنيانا وقيمتنا في قلوب الناس ؟! وهل هو إيمان مجاملات ، نستحيي من الإفصاح عنه ؟! وهل هو دعوى بدون برهان حقيقي ؟! ثم هل من أجل الإيمان نبيع الحياة والجاه والمال والمنصب والولد والعشيرة والأوطان ؟! وهل نكتفي من الإيمان بحدود ما يجمِّلنا عند الناس وما يدخلنا في مصاف المسلمين فقط ؟! وهل هو عندنا التقليد والعادة ؟! أم للإيمان عندنا شأنٌ آخر وملمسٌ في النفوس ، وتحريكٌ للقلوب يؤثر بها ويسوقها إلى الإخلاص والصدق والعمل في السر والعلن لما يرضي الله سواء كرهت النفس أم لم تكره رضي الناس أم لم يرضوا ، وهل للإيمان في قلوبنا حركة فعالة وإيجابية مؤثرة في كل عبادة وكل خطوة يخطوها المؤمن ، بحيث يكون وراءها حرارة الإيمان ، وصدق التوجه ، وعلو الهمة ، حتى تحمل تلك العبادة الروح الصادقة ، والأثر المؤثر في كل أفاعال العبد داخل العبادة وخارجها فيعيش براً نقياً تظهر عليه آثار الإيمان ، وتفيض من كلماته وتبدو على محياه مشيته وغضبه وفرحه وكل تصرف من تصرفاته حتى في نومه ومزاحه فهو لربه غادياً ومقيماً حياً ميتاً قال تعالى : {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الأنعام162 فبالله يسمع ، وبه يبصر ، ويخطو ويبطش ، فيكون النور في قلب العبد ومن بين يديه ومن خلفه قال الرسول قال الله تعالى : ((مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ))
ثم هل نستجيب لنداء الإيمان إذا نادانا بلسان حاله ومقاله قائلاً يا معشر المسلمين ، يا أهل العقيدة يا أشبال أسود التوحيد يا خلفاء محمد على الناس . قومو بواجبكم أحسنوا نياتكم وأصلحوا قلوبكم تصلح حالكم ، مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ، ارفعوا من شأن أمتكم أيقظوها من سباتها ردوها إلى ربها ارفعوا عنها هزيمتها حلوا عقدتها أشربوها هدى ربها وسنة نبيها ، ويا أهل الإيمان إن أمتكم سادرة غائبة العقل منساقة وراء عدوها الذي يسوقها معه إلى الجحيم ومنجرة بذهول وراء شهواتها ومسعورة نريد الدنيا فقط تعيش وتسعى لأجلها غافلة عن آخرتها ناسية أو متناسية رقابة الله حجبها الظلام وركام المتاع الخسيس عن اليقين بالآخرة وعن الجنة والنار وعن الصراط والميزان وعن القبر وظلمته وعن وعيد الله وعذابه الأليم .
ثم لنقف لمحاسبة أنفسنا كم نبذل لديننا من أوقاتنا وأموالنا واهتماماتنا وهل نستجيب لنداء الإيمان أم هو التمني والتغني بتاريخ الإسلام ومجد الأجداد والتحلي بسير الأبطال . أم هو الاستسلام لكيد العدو وحيل الشيطان ودواعي النفوس للإخلاد والدعة والراحة والهوان والشهوات والتشاغل بهذه الدنيا الدنيئة الملعونة الصادة عن ذكر الله وما يقرب إليه .
فما أعظم همنا وأشد كربتنا وأطول كدنا وأجود بذلنا حينما تكون القضية دنيوية في مسكن أو سيارة أو عقار أو وظيفة ؟! وما أقل اهتمامنا وأبرد حالينا وأبخلنا حينما يكون الأمر في طلب علم أو دعوة أو إحسان يراد به وجه الله والدار الآخرة ! فلا حول ولا قوة إلاّ بالله العظيم أن نؤثر الفاني على الباقي والعاجل على الآجل ، نعم نعيش بهذه الحال إلا ما رحم ربي في الوقت الذي يرفع فيه أهل الباطل باطلهم ويجاهدون في سبيله يبذلون أنفسهم وأموالهم قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ }الأنفال36
اللهم إنا نشكو إليك ضعف قوتنا وقلة حيلتنا
فنحن مدعوون إلى تجديد إيماننا وإعادة حساباتنا لننظر فيها ولنرتبط بربنا ونعتصم به ونتوكل عليه فمن صدق مع ربه أعانه وسدده وهداه ووفقه وقبل منه وثبته ونصره وأعزه قال تعالى : {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }غافر51
إن سوء حالنا وضعف إيماننا ويقيننا ليس خاصاً بالفسقة من المسلمين اللاهين العابثين المعرضين عن ربهم ، بل إنه داء الجميع إلا من رحم الله من إيثار الدنيا وقسوة القلوب الحسد والتنافس وحظوظ النفس والبحث عن الراحة ، وضعف التأثير وموت الهمم ، فهذه الظواهر المسيطرة على القلوب والمضيعة للأوقات والأفكار ، فليست قضية أكثرنا اليوم حمل هم الأمة والدعوة إلى الله ومتابعة الكيد للإسلام وأهله ولكن القضية الكبيرة في الحس هي هذه الدنيا مشاغلها . فمن تطيب له الحياة ؟ وديار الإسلام نهب للغزاة الكفرة وأعراض المسلمات تنتهك وحرماتهم تستباح . وكيف ننشغل بأنفسنا عن عدونا وبدنيانا عن ديننا .
أهمية الإيمان
إن الاستقامة على دين الله والالتزام به ظاهراً وباطناً هو سبب الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة قال تعالى : {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }النحل97 فلله عز وجل كتب لأوليائه وحزبه والنصر والتمكين والسعادة في الدنيا والآخرة ، ولا يظن الظانون أن جزاء المؤمنين هو في الجنة فقط بل نعمتهم وكرامتهم في الدنيا والآخرة ، ولكن كيف هذا ؟ ونحن نعلم ما أصاب الأنبياء من القتل والتشريد والأذى والفتن والمحن والابتلاءات وما أصاب من هم دون الأنبياء من المجاهدين والعلماء والدعاة والمصلحين ، بل وكل مؤمن في الدنيا . والجواب عن ذلك أن ما ينال أولياء الله من أذى ومصائب إنما هو على أجسادهم وظواهرهم وأموالهم ودنياهم وإلا فقلوبهم وأرواحهم في سرور إذا عملوا الصالحات فيزدادون راحة وطمأنينة وسكينة لقول الرسول ((أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ مِنْ النَّاسِ . يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ زِيدَ فِي بَلَائِهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ وَمَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ)) (رواه أحمد في المسند)
وهذه حكمة الله وسنته في خلقه ، أن يقيض لأوليائه الشياطين والكفرة والظالمين فيجاهدهم المؤمنون لتقوم سوق الجهاد في هذه الدنيا التي هي دار الامتحان فيرفع الله درجات أوليائه بما حققوا من جهاد وصبر واحتساب وليس ذلك لهوانهم على الله كلا ، فالجهاد هو أحب الأعمال إلى الله والمجاهدون هم أهل المثوبة والجزاء العظيم قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ }الصف4 وقال تعالى : الم{1} أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ{3} العنكبوت
والمحن والأذى والابتلاءات ليست فقط خاصة بالمؤمنين الصابرين الراضين المحتسبين الشاكرين بل هي على الناس كلهم برِّهم وفاجرهم مسلمهم وكافرهم قال تعالى : {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ }البلد4 ولكن منهم من تكون له الإبتلاءات شقاء وأذى في الدنيا والآخرة فلا يثاب عليها كحال الكفار ومنهم من تكون له شقاء في الدنيا لا يثاب عليها كحال كثير من المسلمين الذين غفلوا عن الأجر والثواب ورفع الدرجات وتكفير السيئات . ومنهم من تكون له الابتلاءات ثوابا وأجراً وغنيمة كحال المؤمنين المحتسبين {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ }محمد31
إننا حينما ننظر في حال الكفرة الذين لعنهم وطردهم وأخزاهم وأبعدهم والذين هم شر من الحمير والكلاب قال تعالى : {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنفال55 نجدهم أشقياء تعساء أذلة صاغرين يعيشون ظلام القلوب بوحشة الكفر وغياب الإيمان واليقين فتشوهت حياتهم وضاقت أنفسهم بأنفسهم رغم ماهم فيه من سعة خارجية وحضارة مادية فإن الله أبى إلاّ أن يُذل من عصاه وخرج عن عبوديته قال تعالى : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى }طه124 وهؤلاء الكفرة هم حطب جهنم يوم القيامة وبئس المصير . قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً{64} خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً{65} يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا{66} الأحزاب
فحنما نتذكر حالهم في الدنيا والآخرة نستشعر حينئذ عظيم فضل الله علينا بنعمة الإيمان حيث هدانا ووفقنا وجعلنا من أهل الإيمان الراكعين الساجدين المستجيبين لأمره والداعين إلى سبيله حيث اختارنا الله وتفضل علينا بفضله وجوده قال تعالى : {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }الحجرات17
فتفطن أيها المؤمن حيث اجتباك ربك وخصك من دون أكثر العالمين بنعمة الإيمان التي لم يحصلها أنت بنسبك وشرفك ومالك أو حيلتك أو عملك ، ولكنها المنة المحضة من الله المنعم المتفضل فهل يليق بمن اجتباه ربه وخصه وأغاثه وأنقذه من الكفر وهداه بعد الضلالة هل يليق به أن يرخص هذه النعمة ؟ ويتساهل بها ويأخذها مأخذ الهزل والتهاون .؟
وإن من أعطاه الله نعمة الإسلام والإيمان عليه أن يخاف أعظم الخوف أن تزول منه تلك النعمة أو تضعف ، فإن أعظم المصائب وأشدها هي مصيبة الدين ، أن يصاب الإنسان في دينه فيرتد أو ينتكس أو يهوي في دركات الفتن والشبهات والشهوات والمعاصي بعد الهدى والاستقامة فليس للمؤمن المتذكر أن يتعامل مع قلبه معاملة الآمن المطمئن لا بل عليه أن يذكر دائما بقلبه ولسانه يا رب يا رب : {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} آل عمران8 وقوله تعالى عن آدم : {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }الأعراف23 وأن يستحضر على الدوام قول المصطفى (اللّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) . وأن يخشى العبد من سوء الخاتمة والعاقبة النكراء فيكون الجزاء النار ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم .
قال النبي : ((إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا)) (البخاري) قال ابن رجب : فيما يبدو للناس ، إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس إما من جهة عمل سيء ونحو ذلك) (.... )
وقال ابن القيم : (لما كان العمل بآخره وخاتمته ، لم يصبر هذا العامل على عمله حتى يتم له ، بل كان فيه آفة كامنة ونكتة خُذل بها في آخر عمره فخانته تلك الآفة والداهية الباطنة في وقت الحاجة فرجع إلى موجبها وعملها ، ولو لم يكن هناك غش وآفة لم يقلب الله إيمانه ، وقد تكون تلك الآفة إبطان خلاف الظاهر كالكذب أو السخرية بالآخرين والتكبر عليهم أو الاستهزاء بأهل الخير أو حب النظر إلى النساء والمردان أو السعي بالغيبة والنميمة وامتهان تلك الوظيفة الخسيسة ). (.... )
نعمة الإيمان
إن الإيمان بالله نعمة عظيمة يهبها الله لمن يشاء ويصرفها عمن يشاء قال تعالى : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}المائدة3 فهو نعمة تزكي العمر وتبارك الحياة وترفع قلب المؤمن عن هذه الدنيا وزهرتها إلى التعلق بربه والدار الآخرة . وهي نعمة لا تشترى ولا تباع ولا تهدى بين الناس لأنها الصلة بالله ومناجاته وذكره ودعائه وطاعته والتذلل بين يديه فلا يعطيها الله إلا من أناب إليه قال تعالى : {قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ }الرعد27 وفي الإيمان الحياة الحقيقية والسعادة الأخروية ، فهو سبيل أهل الجنة ورياض الموفقين وعنوان قلوبهم وصفاء أرواحهم ونور وجوههم ، فهو النعمة التي لا تعدلها نعمة لأنه يقربك من مولاك وتحل في جنته وقربه هناك في النعيم المقيم وفي الإيمان من النار دار البوار ومصير الكفار وأهل العلو والاستكبار .
فتحقيق الإيمان وتصحيحه وتنقيته وتعاهده وسقيه هو مطلب العابدين وغاية الموحدين ، وأنوار كلمة التوحيد في قلوب العباد درجات وهي تختلف باختلاف القلوب ومنازلها .
قال في الشرح الطحاوية : (بل تفاوت درجات نور لا إله إلا الله في قلوب أهلها لا يحصيها إلا الله تعالى فمن الناس من نور (لا إله إلا الله) في قلبه كالشمس ومنهم من نورها في قلبه كالكواكب الدري وآخر كالمشعل العظيم وآخر كالسرج المضيء وآخر كالسرج الضعيف . ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة بأيمانهم وبين أيديهم على هذا المقدار بحسب ما في قلوبهم من نور الإيمان والتوحيد علما وعملا ، وكلما اشتد نور هذه الكلمة وعظم أحرق من الشبهات والشهوات بحسب قوته بحيث إنه ربما وصل إلى حال لا يصادف شهوة ولا شبهة ولا ذنباً إلا أحرقه ومن عرف هذا عرف معنى قول النبي r : ((إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ)) متفق عليه من حديث عتبان بن مالك .
فالإيمان إذا كان صحيحاً فإنه يغلب كل قوة ويقيل كل عثرة ويحل كل قضية ، لأنه الدين الحق الذي من اعتصم به عصم وم اهتدى به هدى فهو العاصم بإذن الله من كل بلية وشهوة وشبهة وبالإيمان خلاص العبد في دنياه من مشاكله وهمومه قال r : (إنَّ الإِيمَانَ إذَا دَخَلَ الْقَلْبَ انْفَسَحَ لَهُ الْقَلْبُ وَانْشَرَحَ ، وَذَكَرَ هَذِهِ الآيَةَ {فَمَنْ يُرِدَ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ} قَالُوا : وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ يَا رَسُوْلَ الله ؟ قَالَ : الإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الْخُلُود ، وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ ، وَالاِسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُوْلِهِ.) وقال r : ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ)) (رواه مسلم)
وبالإيمان يرتفع المؤمن على كل الاهتمامات المادية والشواغل الدنيوية لأنه يعيش هي هذه الدار لرضى الله وطلب ما عنده لا لنفسه وشهواتها وطموحاتها . وبالإيمان ينتفع القلب ويسمو توجهه ويتعلق بربه . قال شيخ الإسلام (( ما يفعل أعدائي بي أنا جنتي في صدري ؛ فطردي سياحة وسجني خلوه وقتلي شهادة)) وقال إبراهيم بن أدهم (والله لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعم لجالدونا عليه بالسيوف) والمقصود بالنعم نعمة الإيمان والأنس بالله والتلذذ بمناجاته ودعائه والتضرع بين يديه . وبالإيمان ينتسب المؤمن إلى خيرة الخلق ويكون في صفهم وينتمي إليهم ويحشر معهم في الجنة إن شاء الله وينصرهم ويكون من أتباعهم فالمؤمن في زمرة الأنبياء والصدقين والشهداء والصالحين . قال تعالى : {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً} النساء69
أما أهل الفجور والإعراض ومحادة الله ورسوله والمؤمنين فإنهم ينتسبون إلى شرار الخلق وسقط الناس من الكفرة والمتجبرين قال r : ((خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلَا بُرْهَانٌ وَلَا نَجَاةٌ وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ)) (أحمد وابن حبان والطبراني وسنده جيد)
تابعونا ولازال للكلام بقيه لاتنسونا من صالح دعواتكم
إعداد : الشيخ عبد الله بن فهد السلوم حفظه الله
| |
|
الهلالية
¤° مديره عامه °¤
عدد المساهمات : 384
| موضوع: رد: سلسلة اذا صح الايمان الأربعاء 23 ديسمبر 2009, 8:37 pm | |
| جزاك الله خير أختي ونفع بك أسس العقيدة الإسلامية الدين الإسلامي- كما سبق- عقيدة وشريعة، وقد أشرنا لشيء من شرائعه وذكرنا أركانه التي تعتبر أساسا لشرائعه. أما "العقيدة الإسلامية" فأسسها الإيمان بالله، وملائكته، كتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. الدليل على هذه الأسس كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم). ففي كتاب الله تعالى يقول الله: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله، واليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين). ويقول في القدر: (إنا كل شيء خلقناه بقدر، وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر). وفي سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) مجيبا لجبريل حين سأله عن الإيمان: (الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره). رواه مسلم
الإيمان بالله تعالى الإيمان بالله يتضمن أربعة أمور الأول: الإيمان بوجود الله تعالى. وقد دل على وجوده تعالى: الفطرة، والعقل، والشرع، والحس. ا- أما دلالة الفطرة على وجوده: فإن كل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها، قال النبي (صلى الله عليه وسلم) (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) رواه البخاري. 2- وأما دلالة العقل على وجود الله تعالى: فلأن هذه المخلوقات سابقها ولاحقها لابد لها من خالق أوجدها إذ لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها، ولا يمكن أن توجد صدفة.. لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها لأن الشيء لا يخلق نفسه، قبل وجوده معدوم فكيف يكون خالقا؟! ولا يمكن أن توجد صدفة لأن كل حادث لابد له من محدث، ولأن وجودها على هذا النظام البديع، والتناسق المتآلف، والارتباط الملتحم بين الأسباب ومسبباتها، وبين الكائنات بعضها مع بعض يمنع منعا باتا أن يكون وجودها صدفة، إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيف يكون منتظما حال بقائه وتطوره؟! وإذا لم يمكن أن توجد هذه المخلوقات نفسها بنفسها ولم توجد صدفة، تعين أن يكون لها موجد وهو الله رب العالمين. وقد ذكر الله تعالى هذا الدليل العقلي والبرهان القطعي في سورة الطور، حيث قال: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ). يعني أنهم لم يخلقوا من غير خالق، ولا هم الذين خلقوا أنفسهم، فتعين أن يكون خالقهم هو الله تبارك وتعالى، ولهذا لما سمع جبير بن مطعم- رضي الله عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقرأ سورة الطور فبلغ هذه الآيات: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون، أم خلقوا السموات والأرض بل لا يؤمنون، أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون.) وكان- جبير- يومئذ مشركا قال: (كاد قلبي أن يطير، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي) رواه- البخاري- مفرقا. ولنضرب مثلا يوضح ذلك، فإنه لو حدثك شخص عن قصر مشيد، أحاطت به الحدائق، وجرت بينها الأنهار، وملئ بالفرش والأسرة، وزين بأنواع الزينة من مقوماته ومكملاته، وقال لك: إن هذا القصر وما فيه من كمال قد أوجد نفسه، أو وجد هكذا صدفة بدون موجد، لبادرت إلى إنكار ذلك وتكذيبه، وعددت حديثة سفها من القول..!! أفيجوز بعد ذلك أن يكون هذا الكون الواسع بأرضه، وسمائه، وأفلاكه، وأحواله، ونظامه البديع الباهر، قد أوجد نفسه أو وجد صدفة بدون موجد؟! 3- وأما دلالة الشرع على وجود الله تعالى: فلأن الكتب السماوية كلها تنطق بذلك، وما جاءت به من الأحكام المتضمنة لمصالح الخلق دليل على أنها من رب حكيم عليم بمصالح خلقه، وما جاءت به من الأخبار الكونية التي شهد الواقع بصدقها دليل على أنها من رب قادر على إيجاد ما أخبر به. 4- وأما أدلة الحس على وجود الله تعالى فمن وجهين: أحدهما: أننا نسمع ونشاهد من إجابة الداعين، وغوث المكروبين، ما يدل دلالة قاطعة على وجوده تعالى، قال الله تعالى: (ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له). وقال تعالى: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم) وفي صحيح البخاري عن- أنس بن مالك- رضي الله عنه قال: أن أعرابيا دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال يا رسول الله هلك المال وجاع العيال، فادع الله لنا، فرفع يديه ودعا فثار السحاب أمثال الجبال فلم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته. وفي الجمعة الثانية قام ذلك الأعرابي أو غيره فقال: "يا رسول الله "، تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، فما يشير إلى ناحية! إلا انفرجت. وما زالت إجابة الداعين أمرا مشهودا إلى يومنا هذا لمن صدق اللجوء إلى الله تعالى وأتى بشرائط الإجابة. الوجه الثاني: أن (آيات الأنبياء) التي تسمى (المعجزات) ويشاهدها الناس، أو يسمعون بها، برهان قاطع على وجود مرسلهم، وهو الله تعالى، لأنها أمور خارجة عن نطاق البشر، يجريها الله تعالى تأييدا لرسله ونصرا لهم. مثال ذلك آية موسى (صلى الله عليه وسلم) حين أمره الله تعالى أن يضرب بعصاه البحر، فضربه فانفلق اثني عشر طريقا يابسا، والماء بينهما كالجبال، قال الله تعالى: (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم). ومثال ثان: آية عيسى صلى الله عليه وسلم حيث كان يحيي الموتى، ويخرجهم من قبورهم بإذن الله، قال الله تعالى عنه: (وأحيي الموتى بإذن الله). وقال: (وإذ تحيي الموتى بإذني). ومثال ثالث (لمحمد صلى الله عليه وسلم) حين طلبت منه قريش آية، فأشار إلى القمر فانفلق فرقتين فرآه الناس، وفي ذلك يقول الله تعالى: (اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر). فبهذه الآيات المحسوسة التي يجريها الله تعالى تأييدا لرسله، ونصرا لهم، تدل دلالة قطعية على وجوده تعالى.
عدل سابقا من قبل الهلالية في الأربعاء 23 ديسمبر 2009, 8:42 pm عدل 1 مرات | |
|
الهلالية
¤° مديره عامه °¤
عدد المساهمات : 384
| موضوع: رد: سلسلة اذا صح الايمان الأربعاء 23 ديسمبر 2009, 8:39 pm | |
| أسس العقيدة الإسلامية الدين الإسلامي- كما سبق- عقيدة وشريعة، وقد أشرنا لشيء من شرائعه وذكرنا أركانه التي تعتبر أساسا لشرائعه. أما "العقيدة الإسلامية" فأسسها الإيمان بالله، وملائكته، كتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. الدليل على هذه الأسس كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم). ففي كتاب الله تعالى يقول الله: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله، واليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين). ويقول في القدر: (إنا كل شيء خلقناه بقدر، وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر). وفي سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) مجيبا لجبريل حين سأله عن الإيمان: (الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره). رواه مسلم
الإيمان بالله تعالى الإيمان بالله يتضمن أربعة أمور الأول: الإيمان بوجود الله تعالى. وقد دل على وجوده تعالى: الفطرة، والعقل، والشرع، والحس. ا- أما دلالة الفطرة على وجوده: فإن كل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها، قال النبي (صلى الله عليه وسلم) (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) رواه البخاري. 2- وأما دلالة العقل على وجود الله تعالى: فلأن هذه المخلوقات سابقها ولاحقها لابد لها من خالق أوجدها إذ لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها، ولا يمكن أن توجد صدفة.. لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها لأن الشيء لا يخلق نفسه، قبل وجوده معدوم فكيف يكون خالقا؟! ولا يمكن أن توجد صدفة لأن كل حادث لابد له من محدث، ولأن وجودها على هذا النظام البديع، والتناسق المتآلف، والارتباط الملتحم بين الأسباب ومسبباتها، وبين الكائنات بعضها مع بعض يمنع منعا باتا أن يكون وجودها صدفة، إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيف يكون منتظما حال بقائه وتطوره؟! وإذا لم يمكن أن توجد هذه المخلوقات نفسها بنفسها ولم توجد صدفة، تعين أن يكون لها موجد وهو الله رب العالمين. وقد ذكر الله تعالى هذا الدليل العقلي والبرهان القطعي في سورة الطور، حيث قال: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ). يعني أنهم لم يخلقوا من غير خالق، ولا هم الذين خلقوا أنفسهم، فتعين أن يكون خالقهم هو الله تبارك وتعالى، ولهذا لما سمع جبير بن مطعم- رضي الله عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقرأ سورة الطور فبلغ هذه الآيات: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون، أم خلقوا السموات والأرض بل لا يؤمنون، أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون.) وكان- جبير- يومئذ مشركا قال: (كاد قلبي أن يطير، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي) رواه- البخاري- مفرقا. ولنضرب مثلا يوضح ذلك، فإنه لو حدثك شخص عن قصر مشيد، أحاطت به الحدائق، وجرت بينها الأنهار، وملئ بالفرش والأسرة، وزين بأنواع الزينة من مقوماته ومكملاته، وقال لك: إن هذا القصر وما فيه من كمال قد أوجد نفسه، أو وجد هكذا صدفة بدون موجد، لبادرت إلى إنكار ذلك وتكذيبه، وعددت حديثة سفها من القول..!! أفيجوز بعد ذلك أن يكون هذا الكون الواسع بأرضه، وسمائه، وأفلاكه، وأحواله، ونظامه البديع الباهر، قد أوجد نفسه أو وجد صدفة بدون موجد؟! 3- وأما دلالة الشرع على وجود الله تعالى: فلأن الكتب السماوية كلها تنطق بذلك، وما جاءت به من الأحكام المتضمنة لمصالح الخلق دليل على أنها من رب حكيم عليم بمصالح خلقه، وما جاءت به من الأخبار الكونية التي شهد الواقع بصدقها دليل على أنها من رب قادر على إيجاد ما أخبر به. 4- وأما أدلة الحس على وجود الله تعالى فمن وجهين: أحدهما: أننا نسمع ونشاهد من إجابة الداعين، وغوث المكروبين، ما يدل دلالة قاطعة على وجوده تعالى، قال الله تعالى: (ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له). وقال تعالى: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم) وفي صحيح البخاري عن- أنس بن مالك- رضي الله عنه قال: أن أعرابيا دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال يا رسول الله هلك المال وجاع العيال، فادع الله لنا، فرفع يديه ودعا فثار السحاب أمثال الجبال فلم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته. وفي الجمعة الثانية قام ذلك الأعرابي أو غيره فقال: "يا رسول الله "، تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، فما يشير إلى ناحية! إلا انفرجت. وما زالت إجابة الداعين أمرا مشهودا إلى يومنا هذا لمن صدق اللجوء إلى الله تعالى وأتى بشرائط الإجابة. الوجه الثاني: أن (آيات الأنبياء) التي تسمى (المعجزات) ويشاهدها الناس، أو يسمعون بها، برهان قاطع على وجود مرسلهم، وهو الله تعالى، لأنها أمور خارجة عن نطاق البشر، يجريها الله تعالى تأييدا لرسله ونصرا لهم. مثال ذلك آية موسى (صلى الله عليه وسلم) حين أمره الله تعالى أن يضرب بعصاه البحر، فضربه فانفلق اثني عشر طريقا يابسا، والماء بينهما كالجبال، قال الله تعالى: (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم). ومثال ثان: آية عيسى صلى الله عليه وسلم حيث كان يحيي الموتى، ويخرجهم من قبورهم بإذن الله، قال الله تعالى عنه: (وأحيي الموتى بإذن الله). وقال: (وإذ تحيي الموتى بإذني). ومثال ثالث (لمحمد صلى الله عليه وسلم) حين طلبت منه قريش آية، فأشار إلى القمر فانفلق فرقتين فرآه الناس، وفي ذلك يقول الله تعالى: (اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر). فبهذه الآيات المحسوسة التي يجريها الله تعالى تأييدا لرسله، ونصرا لهم، تدل دلالة قطعية على وجوده تعالى. | |
|
الهلالية
¤° مديره عامه °¤
عدد المساهمات : 384
| موضوع: رد: سلسلة اذا صح الايمان الأربعاء 23 ديسمبر 2009, 8:41 pm | |
| وقد ضل في هذا الأمر طائفتان: إحداهما: (المعطلة) الذين أنكروا الأسماء، والصفات، أو بعضها زاعمين أن إثباتها لله يستلزم التشبيه، أي تشبيه الله تعالى بخلقه، وهذا الزعم باطل لوجوه منها: الأول: أنه يستلزم لوازم باطلة كالتناقض في كلام الله سبحانه، وذلك أن الله تعالى أثبت لنفسه الأسماء، والصفات، ونفى أن يكون كمثله شيء ولو كان إثباتها يستلزم التشبيه لزم التناقض في كلام الله وتكذيب بعضه بعضا. الثاني: أنه لا يلزم من اتفاق الشيئين في اسم أو صفة أن يكونا متماثلين، فأنت ترى الشخصين يتفقان في أن كلا منهما إنسان سميع بصير متكلم، ولا يلزم من ذلك أن يتماثلا في المعاني الإنسانية والسمع، والبصر، والكلام، وترى الحيوانات لها أيد، وأرجل، وأعين، ولا يلزم من اتفاقها هذا أن تكون أيديها وأرجلها وأعينها متماثلة. فإذا ظهر التباين بين المخلوقات فيما تتفق فيه من أسماء، أو صفات، فالتباين بين الخالق والمخلوق، أبين وأعظم. الطائفة الثانية: (المشبهة) الذين أثبتوا الأسماء، والصفات مع تشبيه الله تعالى بخلقه زاعمين أن هذا مقتضى دلالة النصوص، لأن الله تعالى يخاطب العباد بما يفهمون. وهذا الزعم باطل لوجوه منها: الأول: أن مشابهة الله تعالى لخلقه أمر باطل يبطله العقل، والشرع، ولا يمكن أن يكون مقتضى نصوص الكتاب والسنة أمرا باطلا. الثاني: أن الله تعالى خاطب العباد بما يفهمون من حيث أصل المعنى، أما الحقيقة والكنه الذي عليه ذلك المعنى فهو مما استأثر الله تعالى بعلمه فيما يتعلق بذاته، وصفاته. فإذا أثبت الله لنفسه أنه سميع، فإن السمع معلوم من حيث أصل المعنى (وهو إدراك الأصوات) لكن حقيقة ذلك بالنسبة إلى سمع الله تعالى غير معلومة، لأن حقيقة السمع تتباين حتى في المخلوقات، فالتباين فيها بين الخالق، والمخلوق، أبين وأعظم. وإذا أخبر الله تعالى عن نفسه أنه استوى على عرشه فإن الاستواء من حيث أصل المعنى معلوم، لكن حقيقة الاستواء التي هو عليه غير معلومة بالنسبة إلى استواء الله على عرشه، لأن حقيقة الاستواء تتباين في حق المخلوق، فليس الاستواء على كرسي مستقر كالاستواء على رحل بعير صعب نفور، فإذا تباينت في حق المخلوق، فالتباين فيها بين الخالق، والمخلوق أبين وأعظم. والإيمان بالله تعالى على ما وصفنا يثمر ثمرات جليلة منها: الأولى: تحقيق توحيد الله تعالى بحيث لا يتعلق بغيره رجاء، ولا خوف، ولا يعبد غيره. الثانية: كمال محبة الله تعالى، وتعظيمه بمقتضى أسمائه الحسنى وصفاته العليا. الثالثة: تحقيق عبادته بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه.
الإيمان بالملائكة الملائكة: (عالم غيبي مخلوقون عابدون لله تعالى، وليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء، خلقهم الله تعالى من نور، ومنحهم الانقياد التام لأمره، والقوة على تنفيذه). قال الله تعالى: (ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون) وهم عدد كثير لا يحصيهم إلا الله تعالى، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه في قصة المعراج أن النبي (صلى الله عليه وسلم) رفع له البيت المعمور في السماء يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم. الإيمان بالملائكة يتضمن أربعة أمور: الأول: الإيمان بوجودهم. الثاني: الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه (كجبريل) ومن لم نعلم اسمه نؤمن بهم إجمالا. الثالث: الإيمان بما علمنا من صفاتهم، كصفة (جبريل) فقد أخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه رآه على صفته التي خلق عليها وله ستمائة جناح قد سد الأفق. وقد يتحول الملك بأمر الله تعالى إلى هيئة رجل، كما حصل لجبريل حين أرسله تعالى إلى مريم فتمثل لها بشرا سويا، وحين جاء إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو جالس في أصحابه جاءه بصفة رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه أحد من الصحابة، فجلس إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه وسأل النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الإسلام، والإيمان، والإحسان، والساعة، وأماراتها، فأجابه النبي (صلى الله عليه وسلم) فانطلق. ثم قال (صلى الله عليه وسلم) هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم). رواه مسلم. وكذلك الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى إلى- إبراهيم- ولوط- كانوا على صورة رجال. الرابع: الإيمان بما علمنا من أعمالهم التي يقومون بها بأمر الله تعالى، كتسبيحه، والتعبد له ليلا ونهارا بدون ملل ولا فتور. وقد يكون لبعضهم أعمال خاصة: مثل: جبريل الأمين على وحي الله تعالى يرسله الله به إلى الأنبياء والرسل. مثل: ميكائيل الموكل بالقطر أي بالمطر والنبات. ومثل: إسرافيل الموكل بالنفخ في الصور عند قيام الساعة وبعث الخلق. ومثل: ملك الموت الموكل بقبض الأرواح عند الموت. ومثل: مالك الموكل بالنار وهو خازن النار. ومثل: الملائكة الموكلين بالأجنة في الأرحام إذا تم للإنسان أربعة أشهر في بطن أمه، بعث الله إليه ملكا وأمره بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد. ومثل: الملائكة الموكلين بحفظ أعمال بني آدم وكتابتها لكل شخص، ملكان: أحدهما عن اليمين والثاني عن الشمال. ومثل: الملائكة الموكلين بسؤال الميت إذا وضع في قبره يأتيه ملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه. الإيمان بالملائكة يثمر ثمرات جليلة منها: الأولى: العلم بعظمة الله تعالى، وقوته، وسلطانه، فإن عظمة المخلوق من عظمة الخالق. الثانية: شكر الله تعالى على عنايته ببني آدم، حيث وكل من هؤلاء الملائكة من يقوم بحفظهم، وكتابة أعمالهم، وغير ذلك من مصالحهم. الثالثة: محبة الملائكة على ما قاموا به من عبادة الله تعالى. وقد أنكر قوم من الزائغين كون الملائكة أجساما، وقالوا إنهم عبارة عن قوى الخير الكامنة في المخلوقات، وهذا تكذيب لكتاب الله تعالى وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) وإجماع المسلمين. قال الله تعالى: (الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع). وقال: (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم). وقال: (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم). وقال: (حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق، وهو العلي الكبير). وقال في أهل الجنة: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم، فنعم عقبى الدار). وفي- صحيح البخاري- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (إذا أحب الله العبد نادى جبريل أن الله يحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء، أن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض). وفيه أيضا عنه قال: قال النبي (صلى الله عليه وسلم) (إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد الملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاءوا يستمعون الذكر). وهذه النصوص صريحة في أن الملائكة أجسام لا قوى معنوية، كما قال الزائغون وعلى مقتضى هذه النصوص أجمع المسلمون.
| |
|