ماذا يستقبلكم وتستقبلون؟
أخرج الإمام ابن خزيمة رحمه الله عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- :"ماذا يستقبلكم وتستقبلون؟ قالها ثلاثا، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله وحيٌ نزل؟ قال: لا. قال: عدو حضر؟ قال: لا. قال: فماذا؟ قال: إن الله يغفر في أول ليلة من شهر رمضان لكل أهل هذه القبلة، وأشار بيده إليها".
أيام قلائل و تهل علينا أعظم نفحات الدهر والزمان، إنه شهر رمضان شهر المغفرة و الرحمات، شهر جعله الله مجالا للتوبة والاجتهاد، فيه تكثر أبواب الخير وأسباب المغفرة فمن أدركه ولم يغفر له فيه فهو محروم غاية الحرمان، شهر يفد على العباد ويفدون عليه فيستقبلهم ب:
بنظر الله لعباده واستغفار الملائكة لهم
عن سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسا لم يعطهن نبي قبلي. وأما واحدة فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله عز وجل إليهم، ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبدا. و أما الثانية فإن خلوف أفواههم حين يمسكون أطيب عند الله من ريح المسك. وأما الثالثة فإن الملائكة تستغفر لهم في كل يوم و ليلة. وأما الرابعة فإن الله عز وجل يأمر جنته فيقول لها استعدي وتزيني لعبادي أوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي. وأما الخامسة فإنه إذا كان آخر ليلة غفر الله لهم جميعا. فقال رجل أهي ليلة القدر؟ فقال لا ألم تر إلى العمال يعملون فإذا فرغوا من أعمالهم وُفُّوا أجورهم " رواه الإمام البيهقي رحمه الله.
* بفتح أبواب الجنان وغلق أبواب النيران
أخرج الترمذي وابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا كان أول ليلة من رمضان صفّدت الشياطين ومردة الجن، وفتحت أبواب الجنة، وأغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر. ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة
* بالرحمة والبركة و إجابة الدعاء:
روى الإمام الطبراني رحمه الله عن سيدنا عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: " أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً فإن الشقيَّ مَنْ حُرم فيه رحمة الله " وعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم " رواه الإمام الترمذي رحمه الله.
* بالفرح و عظيم الأجر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: "كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا الذي أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" حديث متفق عليه.
* بالمغفرة والعتق من النيران:
قال صلى الله عليه و سلم :" من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " حديث متفق عليه .
و عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمس، الجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر".
* بالشفاعة والتحصين:
قال صلى الله عليه وسلم: " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة: يقول الصيام أي ربّ منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ، ويقول القرآن ربّ منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، فيشفعان" رواه الإمام أحمد رحمه الله.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:" الصيام جنة وحصن حصين من النار" رواه الإمام أحمد رحمه الله.
وتستقبلون
كان النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه و صالح المسلمين يعظمون هذا الشهر ويدعون الله أن يمد أعمارهم ليشهدوه و ينهلوا فيه من صالح الأعمال فكان من دعائه صلى الله عليه و سلم إذا دخل رجب: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان " ويبشر أصحابه بقدومه ويهنئهم به فيقول: "جاء شهر رمضان بالبركات فمرحباً به من زائر وآت" وعن سيدناعمار بن ياسرضي الله عنه أن النبي صعد المنبر فقال: "آمين آمين آمين ثم قال:"من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله، قولوا: آمين. ومن أدرك والديه أو أحدهما فلم يغفر له فأبعده الله، قولوا: آمين. ومن ذكرت عنده فلم يصل علي فأبعده الله، قولوا: آمين".رواه الإمام الطبراني رحمه الله.
عن سيدنا أنس رضي الله عنه قال :"كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا نظروا إلى هلال شهر شعبان أَكَبُّوا على المصاحف يقرؤونها، وأخرج المسلمون زكاة أموالهم ليتقوى بها الضعيف والمسكين على صيام شهر رمضان، ودعا الولاةُ أهْلَ السجن، فمن كان عليه حدّ أقاموه عليه وإلا خلوا سبيله، وانطلق التجار فقضوا ما عليهم وقبضوا ما لهم. حتى إذا نظروا إلى هلال رمضان اغتسلوا واعتكفوا". وكانوا يجتهدون في العبادة، فيحيون لياليه بالقيام وتلاوة القرآن، و يتعهدون فيه الفقراء والمساكين بالصدقة والإحسان ؟ وإطعام الطعام وصلة الأرحام.
فكيف نستقبله؟
كيف نستقبل نحن رمضان في زمن عج بالفتن والملهيات، كيف نغنم فيه زيادة خير وحسنات فإنما هي أيام معدودات سرعان ما تنقضي، قال الحسن البصري رحمه الله: ( إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته ، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا ! فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ! ويخسر فيه المبطلون) . فلنشحذ إذن همتنا ونجدد العزم مع الله بالتوبة والاستغفار ونستقبله بالتعظيم والفرح و السرور بالعلم بأحكام الصيام بالذكر والقيام: بالإكثار من قراءة القرآن وأعمال الخير والبر و الإحسان.
اللهم بلغنا رمضان وتقبله منا
واجعلنا ممن يصومونه ويقومونه وبارك لنا فيه